في العلاقات الإنسانية، يُعد التوافر العاطفي عنصرًا أساسيًا لبناء الثقة، التواصل، والحميمية. لكن كثيرًا من الرجال يجدون أنفسهم عاجزين عن التعبير، غير قادرين على الانفتاح، أو حتى غير مدركين لما يشعرون به فعلًا. هذه الحالة لا تنشأ من فراغ، بل غالبًا ما تكون نتيجة لتجارب مبكرة تركت أثرًا عميقًا في النفس. في هذا المقال، نستعرض سبعة مواقف شائعة تعرّض لها كثير من الرجال في طفولتهم، وأسهمت في تشكيل نمط من الانغلاق العاطفي يصعب تجاوزه دون وعي ومساعدة
1. غياب الوالدين عاطفيًا أو جسديًا
النشأة في بيئة يفتقر فيها الطفل إلى الحضور العاطفي من أحد الوالدين أو كليهما تُخلّف فراغًا يصعب ملؤه لاحقًا. سواء كان الغياب بسبب الانشغال، الإدمان، أو الانفصال، فإن الطفل لا يجد مساحة آمنة للتعبير عن مشاعره، مما يدفعه إلى كبتها. هذا الكبت يتحوّل في مرحلة البلوغ إلى صعوبة في مشاركة المشاعر أو بناء علاقات عميقة.
2. التعرض لصدمات نفسية في الطفولة
الصدمة، سواء كانت فقدانًا، إهمالًا، أو عنفًا، تُربك النمو العاطفي وتُعلّم الطفل أن المشاعر مؤلمة ويجب تجنّبها. في محاولة لحماية النفس، يتعلّم الطفل الانفصال عن مشاعره، ويُطوّر آليات دفاعية تُعيقه لاحقًا عن التواصل العاطفي الحقيقي. النتيجة؟ بالغ لا يعرف كيف يُنظّم مشاعره، أو يخشى أن يُظهرها.

3. ضغط المجتمع والصورة النمطية للرجولة
منذ الصغر، يُلقَّن كثير من الأولاد أن “الرجال لا يبكون”، وأن القوة تعني الصمت والانضباط. هذه الرسائل تُغذّي ما يُعرف بـ “الإمساك العاطفي”، حيث يُصبح التعبير عن المشاعر مرادفًا للضعف. في العلاقات، يُفضّل الرجل أن يُخفي ألمه بدلًا من أن يُفصح عنه، مما يُعيق بناء روابط حقيقية.
4. غياب القدوة الذكورية الإيجابية
حين لا يجد الطفل رجلًا يُعبّر عن مشاعره بطريقة صحية، فإنه يفتقر إلى النموذج الذي يُعلّمه كيف يتعامل مع عواطفه. الرجال الذين نشأوا دون قدوة عاطفية غالبًا ما يُكرّرون أنماط الانغلاق التي شاهدوها، ويظنون أن كبت المشاعر هو السلوك الطبيعي. هذا الغياب يُؤدي إلى ارتباك داخلي، حيث لا يعرف الرجل كيف يُعبّر، أو حتى إن كان يُسمح له بذلك.
5. التعرض للتنمر في الطفولة
التنمر يُخلّف ندوبًا نفسية عميقة، ويُعلّم الطفل أن الضعف يُستغل، وأن الأمان العاطفي غير مضمون. كرد فعل، يُغلق الطفل أبواب التعبير، ويُطوّر شخصية دفاعية تُخفي الألم خلف قناع من القوة أو اللامبالاة. هذه الآلية تستمر في مرحلة البلوغ، وتُعيق القدرة على الانفتاح أو الثقة بالآخرين.

6. أساليب تربية غير متسقة
حين يتقلّب أسلوب الوالدين بين الحضور والغياب، أو بين الدعم والانتقاد، يشعر الطفل بعدم الأمان العاطفي. هذا التذبذب يُربك فهمه للمشاعر، ويُعلّمه أن التعبير قد يُقابل بالرفض أو العقاب. في الكبر، يُصبح الرجل حذرًا جدًا في التعبير، ويُفضّل الانسحاب على المخاطرة بالمواجهة العاطفية.
7. تحمّل مسؤوليات تفوق العمر
بعض الأطفال يُجبرون على لعب دور الكبار مبكرًا، سواء برعاية إخوتهم أو بتحمّل أعباء منزلية أو مالية. هذا النضج القسري يُهمّش الجانب العاطفي، ويُحوّل الطفل إلى شخص يُركّز على الأداء والبقاء، لا على المشاعر. في مرحلة البلوغ، يُصبح من الصعب عليه التفرغ للعاطفة أو منحها مساحة في حياته اليومية.
في الختام:
الرجال الذين يعانون من مشكلة التوافر العاطفي لا يفتقرون إلى المشاعر، بل غالبًا ما يحملونها بصمت، نتيجة لتجارب شكلت علاقتهم بها منذ الطفولة. فهم هذه الجذور هو الخطوة الأولى نحو التعافي، والانفتاح، وبناء علاقات أكثر صدقًا وعمقًا. التوافر العاطفي ليس ضعفًا، بل مهارة يمكن تعلّمها، ومفتاح لعلاقات إنسانية أكثر صحة واتزانًا.