يستيقظ كثيرون وهم يشعرون بقلق غامض يثقل صدورهم فور فتح أعينهم، وكأن يومهم يبدأ بحالة طوارئ داخلية. هذا الشعور المربك الذي يسمى القلق الصباحي قد يفسد مزاج اليوم بأكمله إن لم نفهم أسبابه وكيفية التعامل معه بوعي وهدوء.
ما هو القلق الصباحي؟
القلق الصباحي ليس تشخيصًا طبيًا بحد ذاته، بل هو عرض لحالة القلق العام أو التوتر المزمن، يظهر بشكل أكثر حدة عند الاستيقاظ. يشعر الرجل في هذه الحالة بضيق في التنفس أحيانًا، أو تسارع في ضربات القلب، مع أفكار مشوشة وسوداوية عن المهام والمسؤوليات القادمة.
ويعود ذلك إلى طبيعة الجسم البيولوجية، حيث يكون هرمون الكورتيزول – هرمون التوتر – في أعلى مستوياته صباحًا للتحفيز على النشاط، لكنه عند البعض يزيد عن الحد الطبيعي فيحوّل الصباح إلى معركة داخلية.

الأسباب المحتملة وراء القلق الصباحي
ينشأ القلق الصباحي نتيجة عوامل متعددة، من أبرزها:
– ارتفاع هرمون الكورتيزول صباحًا:
كما ذكرنا، تزداد نسبة هذا الهرمون عند الاستيقاظ لدعم الجسم بالطاقة، لكن عند الأشخاص المرهقين أو المتوترين، قد يسبب توترًا مفرطًا بدلًا من النشاط.
– الضغط النفسي المزمن:
الانشغال الدائم بالمسؤوليات، القلق المالي، أو ضغوط العمل المتراكمة قد تهيئ الذهن لدخول حلقة التفكير السلبي فور الاستيقاظ.
– قلة النوم الجيد:
النوم المتقطع أو غير العميق يرفع مستويات التوتر الصباحي ويقلل من توازن الهرمونات المسؤولة عن الراحة النفسية.
– اختلال نسبة السكر في الدم:
هبوط معدل السكر ليلًا أو عند الاستيقاظ قد يسبب شعورًا بالتوتر والرجفة والقلق.
كيف تتغلب على القلق الصباحي؟
1. عدّل روتين نومك
النوم الكافي والعميق لمدة 7-8 ساعات يقلل بشكل كبير من التوتر الصباحي. حاول تثبيت وقت النوم والاستيقاظ يوميًا، وابتعد عن الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل.
2. مارس التنفس العميق قبل النهوض
قبل أن تترك سريرك، خذ بضع دقائق للتنفس العميق والبطيء. هذه التقنية تهدئ الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن التوتر، وتمنحك شعورًا بالراحة والسيطرة.

3. لا تفتح هاتفك فورًا
مشاهدة الرسائل والإيميلات والأخبار بمجرد الاستيقاظ قد تضاعف شعور القلق. ابدأ صباحك بهدوء تام، دون أي محفزات رقمية مزعجة.
4. تناول فطورًا متوازنًا
وجبة الفطور الغنية بالبروتين والقليل من الكربوهيدرات المعقدة (مثل البيض مع خبز حبوب كاملة) تحافظ على توازن السكر في الدم، مما يخفف من التوتر والارتباك الصباحي.
5. مارس الحركة الخفيفة أو التمارين
حتى لو لدقائق قليلة، تساعد الحركة والتمدد الصباحي على تنشيط الدورة الدموية وتخفيف هرمونات التوتر بشكل فعّال.

دور العقل الباطن في القلق الصباحي
يؤكد علماء النفس أن الأفكار والمشاعر التي ننهي بها يومنا تنتقل غالبًا إلى صباح اليوم التالي. فعندما ينام الرجل وهو قلق أو غاضب أو يحمل في ذهنه مشكلات عالقة، يبدأ الصباح بتفعيل هذه الملفات الذهنية قبل أي شيء آخر. ولهذا فإن ممارسة التأمل أو الامتنان أو حتى كتابة قائمة إيجابية قبل النوم قد تقلل من القلق الصباحي بشكل ملحوظ، لأنها تهيئ العقل لبدء اليوم بطاقة نفسية أكثر اتزانًا وسلامًا.
متى تطلب مساعدة متخصصة؟
إذا كان القلق الصباحي يتكرر يوميًا ويؤثر على عملك وعلاقاتك ونفسيتك بشكل عام، من المهم استشارة أخصائي نفسي أو طبيب لمعرفة الأسباب العميقة ووضع خطة علاج مناسبة، سواء عبر العلاج السلوكي المعرفي أو تعديل نمط الحياة أو الأدوية عند الحاجة.
القلق الصباحي شعور مزعج لكنه قابل للتخفيف بخطوات صغيرة وتغييرات واعية في نمط الحياة. ابدأ يومك بهدوء، أعطِ نفسك دقائق للتنفس والتأمل، وكن لطيفًا مع ذاتك قبل أن تنطلق إلى مهامك. فتغيير بسيط في البداية قد يجعل نهارك بأكمله أكثر صفاءً وراحة.