لم تعد عمليات التجميل حكرًا على النساء، بل باتت اليوم جزءًا من روتين الكثير من الرجال الباحثين عن مظهر أكثر حيوية وأناقة. ومع ارتفاع الوعي الجمالي لدى الرجال، بدأت النظرة الاجتماعية تجاه التجميل الرجالي تتغيّر، لتصبح أكثر تقبّلًا وانفتاحًا.
لكن، رغم هذا التشابه في الهدف، فإن ما يناسب ملامح المرأة وجمالها لا يمكن نسخه حرفيًا إلى الرجل. فالتقنيات، والمعايير، وحتى النتيجة النهائية، كلها تختلف، لأن مفهوم الجاذبية الذكورية يُقاس بمقاييس مختلفة تمامًا.
ملامح رجولية تُراعيها مباضع التجميل
في عالم التجميل، لا يُصمَّم الوجه المثالي وفق قالب موحّد، بل بحسب السمات التي تعبّر عن الهوية الجندرية. وجه الرجل مثلًا غالبًا ما يكون أعرض، وذقنه أكثر تحديدًا، لذا تأخذ تقنيات التجميل بعين الاعتبار الحفاظ على الزوايا الحادة للفك، وعلى خط الذقن القوي الذي يمنح الإحساس بالقوة والصلابة. أما العينان، فتميل في المعايير الجمالية الذكورية إلى أن تكونا أصغر حجمًا، وتبتعد عن المظهر المستدير أو الواسع الذي يُفضَّل عادة في الوجه الأنثوي.
في عمليات تجميل الأنف للرجال، يُراعى أن تبقى الزاوية بين الأنف والشفة حادة نسبيًا، وأن يكون الخط المستقيم للأنف غير مرفوع أكثر من اللازم، بعكس ما يُحبَّذ في أنف المرأة. كذلك، الشفاه لا تُبرز كما في التجميل النسائي، بل يُحافظ على حجمها الطبيعي مع حرص على إبراز بروز عظام الحاجب والجبهة، لأنها جزء من الهيبة البصرية للرجل.

عضلات مرسومة لا منحنيات ناعمة
لا يقتصر الاختلاف في فلسفة الجمال على الوجه، بل يمتد إلى نحت الجسم أيضًا. فعند المرأة، تُركّز عمليات التجميل غالبًا على إبراز المنحنيات الناعمة وتنسيق مقاييس الخصر. أما الرجل، فمعيار الجاذبية لديه يرتكز على إبراز البنية العضلية، خاصة في منطقة البطن والصدر. لذا، يلجأ العديد من الرجال إلى تقنيات نحت دقيقة تُبرِز مظهر (6-pack) عبر شفط الدهون من محيط العضلات وحقنها بشكل يُعزز التقسيم الطبيعي للجسم.
هذه التقنيات المتقدمة، مثل “نحت العضلات عالي الدقة” (High-Definition Liposculpture)، لا تُستخدم بالأسلوب ذاته عند النساء، لأن النتيجة قد تعطي مظهرًا قاسيًا وغير متناغم مع الجمال الأنثوي.
وهنا يظهر بوضوح كيف أصبح التجميل علمًا دقيقًا، يُفصّل لكل جسد مظهره الأمثل لا وفقًا للصيحات، بل حسب الهوية الجمالية الخاصة بكل جنس.
الطلب في ازدياد… والخجل إلى انحسار
في السنوات الأخيرة، سجلت العيادات التجميلية ارتفاعًا لافتًا في عدد الرجال الذين يقصدونها، سواء لإجراءات بسيطة كحقن البوتوكس والفيلر، أو لعمليات أكبر مثل زراعة الشعر، شدّ الجفون، ونحت الجسم. ولم يعد هذا الإقبال محصورًا بالمشاهير أو رجال الأعمال، بل بات شائعًا بين فئات عمرية مختلفة. ووفقاً لآخر الإحصاءات الصادرة عن الجمعية الأميركية لجراحي التجميل (ASPS)، فإن نسبة الرجال الذين أجروا إجراءات تجميلية قد ارتفعت بنحو 29٪ خلال العقد الأخير.
هذا التطور يشير إلى تبدّل عميق في مفهوم “الرجولة التقليدية”، حيث بات الاعتناء بالمظهر جزءًا من القوة الشخصية، لا تعبيرًا عن ضعف أو سطحية. ومع تطور التقنيات، وارتفاع نسبة الوعي، أصبح الرجل قادرًا على تحسين مظهره بطريقة تحترم طبيعته، وتُحافظ على جاذبيته من دون المساس بهويته.

الحدود الذكية: متى لا يُنصح بالتجميل للرجل؟
رغم أن التجميل قد يبدو حلاً سحريًا لاستعادة الشباب أو تحسين المظهر، إلا أن الإفراط فيه يُفقد الرجل طبيعته. ليست كل عملية مناسبة للجميع، فهناك معايير دقيقة يحددها الطبيب، لكن الأهم أن يكون الرجل واقعيًا في توقّعاته.
عند تجاوز التجميل حدوده الطبيعية – كالمبالغة في حقن الفيلر أو تغيير ملامح الوجه الأساسية – يصبح التأثير عكسيًا، فيفقد الرجل طابعه الفريد ويظهر بمظهر مصطنع لا يعكس القوة ولا النضج.
ولهذا، يُعتبر التجميل الناجح للرجل هو الذي لا يُلاحظ فورًا، بل يمنحه مظهرًا أكثر انتعاشًا وحيوية، مع الحفاظ على بصمته الرجولية الأصلية. فالرشاقة والوسامة لا تحتاج دائمًا إلى تغيير شامل، بل إلى تعديلات ذكية تحترم الملامح وتكرّسها.
الجمال الرجولي في عهد جديد
في عالم يزداد انفتاحًا، لم يعد الاعتناء بالمظهر حكرًا على النساء، ولا عيبًا عند الرجال. عمليات التجميل اليوم أصبحت وسيلة ذكية لتعزيز الثقة بالنفس، بشرط أن تُدار بوعي وتُنفذ باحتراف.
الرجل العصري لا يسعى وراء المثالية، بل وراء نسخته الأفضل… وهي غالبًا ما تبدأ بتقدير ملامحه، لا استنساخ ملامح الآخرين.