في زمنٍ لم تعد فيه الاستثمارات تقليدية، تبرز الساعات الفاخرة كأحد أكثر الأصول أناقة وربحًا.
والأمر ليس مجرد اقتناء ساعة جميلة تُلف حول المعصم، بل اختيار ذكيّ لقطعة يمكن أن ترتفع قيمتها بنسبة تفوق أسواق الأسهم في بعض الأحيان.
فكيف تستثمر في ساعتك؟ وما الذي يجب معرفته قبل خوض هذا السوق المتقلّب والفاخر؟
سوق الساعات ليس مجرد رفاهية، بل اقتصاد متكامل
شهدت سوق الساعات الفاخرة خلال الأعوام الأخيرة نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت أسعار بعض الطرازات الكلاسيكية والنادرة بنسبة تجاوزت 100% في أقل من خمس سنوات.
التقارير تشير إلى أن هناك فئة متزايدة من المستثمرين الأذكياء الذين ينظرون إلى الساعة ليس فقط كأداة للوقت، بل كأصل يمكن تداوله، بيعه، أو حتى رهنه.
ما يُميز هذه السوق أنها تجمع بين عنصر الندرة، والطلب العالمي، والهوية الثقافية. فالساعة ليست مجرد معدن، بل سرد بصري لتاريخ، حرفة، وتوقيع لا يتكرر.

ما الذي يجعل الساعة صالحة للاستثمار؟
لكي تتحول الساعة إلى أصل ذي قيمة، لا يكفي أن تكون باهظة أو جميلة المظهر. هناك مجموعة من العوامل المتشابكة التي ترفع من مكانتها في السوق وتجعلها محط أنظار المستثمرين.
أولى هذه العوامل هي الندرة: كلما قلّ عدد النسخ المنتَجة، زادت فرص الساعة في أن تصبح مرغوبة ومرتفعة الثمن، خصوصًا إذا ارتبطت بلحظة تاريخية أو إصدار خاص.
العامل الثاني هو حالتها الفنية؛ فكل خدش أو إصلاح غير موثق يمكن أن يؤثر على سعرها بشكل كبير. الساعة التي تُحفظ في علبتها الأصلية، مع الأوراق الموثّقة، غالبًا ما تُباع بقيمة أعلى بكثير من نظيراتها المستعملة.
أما العلامة التجارية، فهي حجر الزاوية في عالم الساعات. ليست كل الأسماء متساوية، وبعضها يحمل إرثًا يجعل من كل طراز جديد امتدادًا لسلالة نادرة، مما يعزّز من قيمته ويمنحه ثقة عالمية.
ولا ننسى التوجهات العالمية؛ إذ أن بعض الطرازات تشهد إقبالاً مفاجئًا نتيجة موجة ترند أو إعادة إحياء من قِبل مشاهير أو جامعي ساعات محترفين، ما يؤدي إلى ارتفاع قيمتها في السوق بطريقة غير متوقعة.
ابدأ بخطوات استثمارية راقية
الخطوة الأولى في هذا السوق هي التسلّح بالمعرفة، ليس بالمال. يجب على كل مستثمر جديد أن يبدأ بالقراءة والملاحظة، وليس بالشراء الفوري.
الاطلاع على المزادات العالمية، ومتابعة تحليلات الأسواق، والتعرّف على الطرازات الكلاسيكية والتاريخية هي خطوات لا غنى عنها.
بعد ذلك، ينبغي تحديد الهدف من هذا الاستثمار: هل ترغب في ساعة ترافقك يوميًا وتكون جزءًا من أسلوبك الشخصي؟ أم أنّ نيتك هي الاحتفاظ بها داخل خزنة حتى يحين وقت البيع المثالي؟
الإجابة عن هذا السؤال تغيّر قواعد اللعبة، وتُحدد نوع الساعة التي تبحث عنها، وطريقة التعامل معها بعد الشراء.
ومن المهم الابتعاد عن الطرازات السريعة الزوال، تلك التي ترتفع فجأة بسبب ضجة إعلامية ثم تخبو قيمتها خلال أشهر. الطرازات الكلاسيكية، التي حافظت على جاذبيتها لعقود، تظل الرهان الأكثر أمانًا.

فقاعة أم واقع؟ نظرة في عمق السوق
يتساءل البعض: هل هذا الارتفاع في سوق الساعات فقاعة قابلة للانفجار والزوال؟ الواقع أن هذا السوق لا يقوم على وهم، بل على أصول ملموسة وعوامل حقيقية، من بينها الندرة، والحرفية، والطلب المتزايد.
لكن كما هو الحال في كل سوق، فإن التقلّبات واردة، والمخاطر قائمة. لذلك، يُنصح بأن يُنظر إلى الساعات كجزء من محفظة استثمارية متنوعة، لا كرهان وحيد.
متى تبيع ومتى تنتظر؟
فن البيع لا يقل أهمية عن الشراء، بل ربما يفوقه تعقيدًا. توقيت البيع يجب أن يعتمد على قراءة دقيقة للسوق، مزاج المشترين، وظهور إصدارات جديدة قد ترفع من قيمة الطرازات القديمة المرتبطة بها.
بعض الساعات تكتسب قيمتها فجأة بعد حدث عالمي أو صدور فيلم أو حتى وفاة شخصية عامة كانت ترتديها. لذلك، من الذكاء مراقبة حركة السوق باستمرار، وعدم التسرّع في اتخاذ القرار.
أن تستثمر في ساعة فاخرة، يعني أن تجمع بين الذوق العالي والبصيرة المالية.
الساعة ليست مجرد ملحق أناقة، بل قطعة من التاريخ قابلة للحمل، ومخزن للقيمة قد يصمد أكثر من أي سهم في البورصة.
إنه عالم لا يناسب المتعجلين، بل أولئك الذين يعرفون قيمة الوقت… حرفيًا.