في ظل تزايد الضغوط النفسية والتوترات اليومية، يبحث الكثيرون عن وسائل طبيعية وفعالة لتعزيز صحتهم النفسية. من بين هذه الوسائل، برز مفهوم “الاستحمام في الغابات” أو “الغابات العلاجية” (Forest Bathing)، الذي يُعرف علميًا باسم “Shinrin-yoku”. يُروج لهذا الأسلوب على أنه يساهم في تقليل التوتر، تحسين المزاج، وزيادة الشعور بالراحة النفسية. لكن هل هناك أدلة علمية تؤكد فعاليته؟ هذا ما سنتعرف عليه من خلال استعراض أحدث الدراسات والأبحاث العلمية.
ما هو “الاستحمام في الغابات”؟
“الاستحمام في الغابات” هو ممارسة طبيعية وواعية تهدف إلى التفاعل العميق مع البيئة الطبيعية بهدف تحسين الصحة النفسية والجسدية. يُعتبر هذا المفهوم جزءًا من العلاج الطبيعي والتأمل البيئي، ويُركز على الاستفادة من عناصر الطبيعة بطريقة هادئة ومركزة، بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية والتشتت الذهني.
هذه الممارسة تتطلب التواجد في غابة أو منطقة طبيعية خضراء، حيث يتم التركيز على الانتباه الكامل للحظة الراهنة، واستخدام الحواس بشكل مكثف للتفاعل مع البيئة من حولنا. الهدف هو خلق حالة من الارتباط العميق مع الطبيعة، تُساعد على تحرير الذهن من الأفكار السلبية، وتقليل مستويات التوتر، وتعزيز الشعور بالسكينة والراحة النفسية.

الأساسيات التي تتضمنها ممارسة “الاستحمام في الغابات”:
- التواجد الهادئ: التوقف عن الأنشطة المجهدة، والانخراط في حالة من الهدوء والتركيز على التنفس، مع محاولة تصفية الذهن من الأفكار المشتتة.
- المشي ببطء: السير بشكل هادئ وبوتيرة بطيئة، بحيث يُمكن للمرء أن يلاحظ أدق التفاصيل حوله، كاللون، والملمس، والروائح، والأصوات.
- التنفس العميق: التركيز على التنفس ببطء وعمق، مما يُعزز استرخاء الجهاز العصبي ويُزيد من الشعور بالراحة.
- التفاعل الحسي مع البيئة: استشعار كل ما حولك من خلال الحواس، مثل لمس الأشجار، استنشاق روائح الطبيعة، والاستماع إلى أصوات الطيور والأشجار، مع التركيز على كل لحظة بشكل واعٍ.
الهدف النهائي من كل ذلك هو الوصول إلى حالة من السكينة والطمأنينة، حيث يشعر الإنسان بالانتماء والتواصل مع محيطه، ويستعيد توازنه النفسي والجسدي. يُشجع على ممارسة هذه الحالة بشكل منتظم، لأنها تُحسّن من القدرة على التعامل مع الضغوط، وتُعزز المشاعر الإيجابية، وتُساعد على تصفية الذهن من الأفكار السلبية.

الأدلة العلمية على فوائد “الاستحمام في الغابات”
تشير الدراسات الحديثة إلى أن التفاعل مع البيئة الطبيعية يعزز من الصحة النفسية بطرق متعددة:
- خفض مستويات الكورتيزول (Cortisol): أظهرت أبحاث أن التواجد في الغابات يقلل من هرمون التوتر، مما يقلل من الشعور بالإجهاد والقلق.
- تحسين الحالة المزاجية وتقليل القلق: أُثبت أن قضاء الوقت في الطبيعة يساعد على رفع مستويات السيروتونين (Serotonin)، وهو الهرمون المسؤول عن السعادة، ويقلل من أعراض الاكتئاب والقلق.
- تنشيط الجهاز العصبي اللاودي (Parasympathetic Nervous System): يعزز التواجد في الطبيعة استجابة الجسم للاسترخاء، مما يخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم.
- زيادة الشعور بالراحة والسكينة: العديد من الدراسات تشير إلى أن التفاعل مع البيئة الطبيعية يُساعد على تقليل أفكار التوتر، ويزيد من الشعور بالسلام الداخلي.
- تحسين القدرات الإدراكية والانتباه: أظهرت أبحاث أن قضاء الوقت في الغابات يعزز التركيز، ويقلل من أعراض التشتت النفسي، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من الإجهاد الذهني.
كيف يؤثر الطبيعة على الدماغ والجسد؟
العلم يُظهر أن الهواء النقي، والأصوات الطبيعية، ورائحة الأشجار، تُحفّز مناطق معينة في الدماغ مرتبطة بالهدوء، وتقلل من نشاط المناطق المرتبطة بالتوتر والضغط النفسي. كما أن مركبات الفايتونيدات (Phytoncides)، التي تطلقها الأشجار، تُعزز من الجهاز المناعي وتُقلل من الالتهابات، مما يساهم في تحسين الحالة النفسية بشكل غير مباشر.

هل يمكن الاعتماد على “الاستحمام في الغابات” كعلاج نفسي؟
بالرغم من أن الدراسات تؤكد فوائدها، إلا أنها ليست بديلاً للعلاج النفسي المهني في حالات الاكتئاب الشديد أو اضطرابات القلق الحادة. لكنها تعتبر وسيلة فعالة مكملة، يمكن أن تُحسّن من الحالة النفسية العامة، وتُساعد في تقليل التوتر بشكل طبيعي. يُنصح بممارسة هذه العادة بانتظام، خاصة في المناطق الطبيعية، كجزء من نمط حياة صحي ومتوازن.
في الختام: تؤكد الأبحاث العلمية أن التفاعل مع الطبيعة، خاصة الغابات، يُحدث تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية، من خلال تقليل هرمونات التوتر، وتحسين المزاج، وتعزيز الشعور بالسكينة. لذلك، يُعد قضاء وقت منتظم في الطبيعة وسيلة طبيعية وفعالة لدعم الصحة النفسية، وتحقيق التوازن النفسي والجسدي.



