في نوفمبر من كل عام، تتحوّل القاهرة إلى عاصمة للسينما العالمية، حيث تُفتح أبواب دار الأوبرا المصرية لاستقبال مهرجان يُجسّد روح الفن، ويُعيد للسينما مكانتها كوسيلة للتعبير، للتأمل، وللتغيير. الدورة السادسة والأربعون من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، التي تُقام من 12 إلى 21 نوفمبر 2025، تأتي في لحظة فارقة، حيث يُصبح الفن أكثر من ترف، بل ضرورة إنسانية تُقاوم العنف، وتُكرّم الذاكرة، وتُحتفي بالأمل.
شعار الدورة: السينما كطريق للسلام
اختارت إدارة المهرجان شعارًا بصريًا يُحاكي السلام، مستلهمًا من رمزية الحمامة البيضاء التي تُحلّق نحو الأفق، وسط تدرجات ذهبية وبرونزية تُشبه شروقًا جديدًا ينبثق من بين الظلال. أغصان الزيتون تُحيط بالمشهد، بينما يطوّقه شريط سينمائي يُحوّل الصورة إلى ذاكرة قابلة للمشاركة.
هذا الشعار لا يُعبّر فقط عن جماليات التصميم، بل يُجسّد موقفًا إنسانيًا في ظل الأحداث العالمية، خاصة بعد قمة شرم الشيخ للسلام، ليُصبح المهرجان منصة للفن الذي “ينهض من بين الردم”، كما جاء في بيانه الرسمي.
أفلام المسابقة الرسمية: تنوّع وتقاطعات إنسانية
تضم الدورة 46 أكثر من 80 فيلمًا طويلًا و25 فيلمًا قصيرًا من مختلف دول العالم. من أبرز المشاركات:
- الفيلم التونسي “اغتراب” لمهدي هميلي.
- “Renovation” للمخرج جابرييل أوربونايت.
- الفيلم الفلسطيني التشيلي “بايسانوس” الذي يستكشف الهوية والشتات من خلال كرة القدم.
- “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية البا، الفائز بالأسد الفضي في فينيسيا.
- كما تشهد المسابقة الدولية حضورًا قويًا لأفلام من أوروبا، أمريكا اللاتينية، وآسيا، مما يُضفي على المهرجان طابعًا عالميًا يُحاكي تقاطعات الإنسان أينما كان.

التكريمات: تحية للذاكرة الحية
يُكرّم المهرجان هذا العام خمس قامات فنية من مصر والعالم، أبرزهم المخرج الكبير محمد عبد العزيز، الذي يُمنح جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، تقديرًا لمسيرة امتدت لأكثر من خمسين عامًا في صناعة الكوميديا الاجتماعية.
كما يُكرّم المهرجان وجوهًا صنعت الحلم، من بينهم خالد النبوي وإلهام شاهين، في تحية للفن الذي يُلامس روح الإنسان ويُخلّدها.
الحضور العربي والدولي
تُشارك تونس بسبعة أعمال ضمن أقسام مختلفة من المهرجان، مما يُعزز الحضور المغاربي والعربي في الفعالية. كما يشهد المهرجان تعاونًا أكاديميًا مع جامعة كوفنتري في القاهرة، عبر افتتاح مركز إعلامي يُعزّز الحوار بين السينما والتعليم.
السينما والتعليم: جسر جديد في الدورة 46
في خطوة تُجسّد رؤية المهرجان كمنصة ثقافية شاملة، أطلقت الدورة 46 تعاونًا أكاديميًا مع جامعة كوفنتري – فرع القاهرة، من خلال إنشاء مركز إعلامي داخل دار الأوبرا المصرية يُديره طلاب الإعلام والسينما. هذا المركز لا يقتصر على التغطية الصحفية، بل يُقدّم ورش عمل، لقاءات مع صناع الأفلام، وتدريبًا عمليًا على النقد السينمائي.
الهدف من هذه المبادرة هو تمكين الجيل الجديد من فهم السينما ليس فقط كفن، بل كأداة تحليل اجتماعي وثقافي. إنها دعوة لربط الشاشة بالفصل الدراسي، ولتحويل المهرجان إلى مساحة تعليمية حيّة، تُخرّج نقّادًا ومبدعين، لا مجرد مشاهدين.
ختاماً: مهرجان القاهرة السينمائي ليس مجرد عروض أفلام، بل هو احتفال بالإنسان، بالذاكرة، وبالقدرة على الحلم. في كل دورة، تُصبح الشاشة مساحة للبوح، وللشفاء، وللعودة إلى الذات. السينما هنا لا تُعرض فقط، بل تُناقش، تُحتفى بها، وتُعاد كتابتها من جديد.



