في لحظة تتلاقى فيها الثقافة مع التضامن، خرجت مبادرة حاضرة تصنع فرقًا: تسعى إمارة الشارقة إلى إعادة الحياة إلى مبنى تاريخي وهو مسرح بيروت الكبير، يحمل في جدرانه ذاكرة المسرح العربي. بهذا المشروع، ترسل الشارقة إشعارًا بأن الثقافة ليست رفاهيةً وقتية، بل استثمارٌ طويل الأمد في الإنسان والمجتمع.
شراكة ثقافية عبر الحدود
وقّعت حكومة الشارقة ومنظمة اليونسكو اتفاقية رسمية لإعادة تأهيل مسرح بيروت الكبير. بحضور دبلوماسي وفني مميّز، أعلنت الإمارة عن دعم مادي ومتابعة فنية لهذا المعلم الأيقوني الذي عاش تاريخيًا لحظات العروض والموسيقى وكأنه نبضٌ ثقافي للبنان والعالم العربي.
هذا التعاون ليس مجرّد عمل إنساني، بل صيغةٌ لربط التراث بالحداثة، وربط المجتمع بالهوية، وربط الشرق بالغرب.

أهمية المسرح وأثره الرمزي
انفتح مسرح بيروت الكبير لأول مرة في العام 1929، واستضاف أجيالًا من الفنانين والعروض والموسيقى. وبعد أن تراجعت عروضه في منتصف القرن الماضي، بقي مبنى مهجورًا يحمل شغف الأمس وأمل الغد. إعادة تأهيله اليوم ليست مجرد ترميمٍ للمبنى، بل استعادة لنبضٍ ثقافيٍّ يمكن أن يُعيد للبنان مكانته الفنية ويعزّز التواصل بين الشعوب.
رؤية الشارقة ودورها في النسيج الثقافي
أكّدت عبد الله بن محمد العويس أنّ هذا المشروع ينطوي على استمرار الرؤية التي يقودها سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، في تجسيد الثقافة والفنّ كركيزة للحياة. وقال إن الشارقة ترى في دعم مثل هذه المبادرات «روافد ثقافية وتعليمية» تهدف إلى تمكين الإبداع والفنون عبر العالم العربي.
أفاق الترميم: من الحجر إلى الجمهور
ليس الهدف هنا مجرد تجميل واجهة المسرح، بل استعادة فعاليته كمركزٍ للفنون والمجتمع. وإذ تبدأ أعمال الترميم، يتم وضع خطط لبرامج ثقافية مستقبلية، ودعوات للفنانين والمراكز الدولية، وتنشيط الحركة المسرحية والموسيقية في المنطقة. المسرح سيصبح من جديد منبرًا للتبادل الثقافي، وليس مجرد موقع يُضاء.
في نهاية المطاف: عندما يتنفس التراث مجددًا بفضل دعمٍ يتجاوز الحدود الجغرافية، تتذكّر المجتمعات أنّ الفنّ هو لغة تبقى من دون ترجمة. بمشروع كهذا، لا تُعيد الشارقة بناءَ جدران فحسب، بل تضع حجرًا جديدًا في مسار الأمل والثقافة. ويصبح المسرح، بعد أن كان شاهداً على الذكريات، بوابةً لغدٍ يحمل في ضوءه وعدًا بالإبداع والمشاركة.