تتجه الأنظار مجددًا نحو العائلة المالكة البريطانية بعد إعلان الأمير أندرو تخليه عن لقبه “دوق يورك”، ما أثار موجة من التساؤلات حول ما إذا كان سيواجه المصير ذاته الذي واجهه الأمير هاري حين حُرِم من الحماية الملكية المُموَّلة من الدولة. وبينما يُظهر القرار خطوة حاسمة من أندرو نحو الابتعاد عن الأضواء، يبرز في المقابل الجدل حول معايير منح الحماية لأفراد العائلة المالكة السابقين.
في المقابل، يعيد هذا الحدث إلى الواجهة قضية العدالة في المعاملة داخل القصر، خاصّةً بعد المقارنة بين وضع أندرو الذي ما زال يتمتع بحراسة ملكية وبين هاري الذي خسر هذا الامتياز فور مغادرته بريطانيا. وبينما يحاول كلٌّ منهما رسم مسار جديد بعيدًا عن الأعباء الرسمية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يحق لأندرو الاستمرار في الاستفادة من حماية الدولة رغم فقدانه ألقابه ومهامه؟
١- الأمير أندرو بين اللقب والحماية
احتفظ الأمير أندرو بحراسته الأمنية رغم تخليه عن لقبه الملكي، إذ أكّد الخبير الملكي كريستوفر أندرسن أنّ وجوده داخل نطاق قصر وندسور يضمن له بطبيعة الحال استمرار الحماية. فالقصر يقع في قلب النظام الملكي، وتبقى تدابيره الأمنية قائمة لحماية جميع المقيمين فيه من كبار العائلة. لكنّ هذا الوضع يثير تساؤلات عن مدى عدالته مقارنةً بأفرادٍ آخرين تخلّوا عن أدوارهم ولم يحصلوا على امتيازٍ مماثل.
في المقابل، يرى مراقبون أن هذا القرار يعكس توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على سمعة المؤسسة الملكية وضمان الأمن الشخصي للأمير، خصوصًا في ظل الجدل الذي رافقه منذ أعوام. ومع ذلك، يزداد الضغط الشعبي والإعلامي على الحكومة البريطانية لتوضيح سبب استمرار تمويل حماية شخصية لم تعد تمثّل الدولة رسميًا.
٢- خلفية أزمة الأمير أندرو
بدأت أزمة الأمير أندرو في عام 2019 عندما أعلن انسحابه من الحياة العامة على خلفية ارتباط اسمه برجل الأعمال الأمريكي الراحل جيفري إبستين، المتهم بالاتجار بالبشر. ثم وُجهت إليه اتهامات من فيرجينيا جوفري بالاعتداء الجسدي، لكنه نفى تمامًا أي علاقة له بذلك قبل أن يتوصل إلى تسوية خارج المحكمة.
لاحقًا، ومع تسريب رسائل يُزعم أنها بينه وبين إبستين، عاد الجدل إلى السطح مجددًا، ما دفعه إلى إصدار بيان يتخلى فيه عن لقبه “دوق يورك” وجميع الأوسمة التي نالها. وأكد في بيانه أنّ قراره جاء بعد مشاورات مع الملك تشارلز الثالث، مشيرًا إلى أنه يضع مصلحة بلاده فوق كل اعتبار، ومجدّدًا نفيه القاطع لكل التهم.
٣- المقارنة مع تجربة الأمير هاري
تبدو المقارنة بين الأمير أندرو والأمير هاري حاضرة بقوّة في أذهان البريطانيين. ففي عام 2020، قرّر هاري وزوجته ميغان ماركل الانسحاب من المهام الملكية والانتقال إلى الولايات المتحدة. لكنّ قراره كلّفه فقدان الحماية الأمنية الممولة من الدولة، ما دفعه لاحقًا إلى رفع دعوى لاستعادتها، إلا أنّ المحكمة رفضت طلبه باعتباره لم يعد عضوًا عاملًا في العائلة المالكة.
أوضح هاري في مقابلات لاحقة أنّ هدفه لم يكن التحدي بل الحفاظ على سلامة أسرته أثناء زياراتهم للمملكة المتحدة. ومع ذلك، لم يتراجع الجدل حول تباين المعايير في التعامل بينه وبين أندرو، خصوصًا وأن الأخير واجه قضايا أكثر حساسية من الناحية الأخلاقية.
٤- الملك تشارلز بين التوازن والضغوط
يحاول الملك تشارلز الثالث الحفاظ على توازنٍ دقيق بين الواجب العائلي ومتطلبات الشفافية أمام الرأي العام. فقرار السماح لأندرو بالبقاء داخل وندسور تحت حماية ملكية يهدف إلى تجنّب أي تصعيد أو استهداف إعلامي جديد، لكنه في الوقت نفسه يضع المؤسسة الملكية في موقفٍ دفاعي أمام المواطنين الذين يطالبون بالمساواة في المعاملة.
ويؤكّد محلّلون أن الملك يسعى إلى إعادة ترميم صورة العائلة المالكة بعد سلسلة الأزمات، وأنه يتعامل مع كل حالة على حدة لتفادي الانقسامات. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن استمرار منح أندرو امتيازاتٍ أمنية قد يثير جدلًا سياسيًا واجتماعيًا طويل الأمد.
يبقى مصير الأمير أندرو معلّقًا بين ماضيه المليء بالجدل وحاضره الذي يسعى فيه إلى الهدوء. وبينما تستمر المقارنة مع تجربة الأمير هاري، يظهر جليًا أن المؤسسة الملكية لا تزال تواجه تحدّي الموازنة بين التقاليد القديمة ومتطلبات العدالة الحديثة. وبرغم كل الجدل، يبدو أنّ العائلة المالكة ستظلّ محورًا دائمًا للنقاش في بريطانيا، حيث تتقاطع الخصوصية الشخصية مع الرمزية الوطنية في مشهدٍ واحدٍ لا يخلو من التعقيد.