يحتفي لبنان بإرثه الثقافي عبر تكريم الموسيقار الراحل زياد الرحباني، ويضع اسمه مجددًا في واجهة المشهد الفني. يعبّر هذا التكريم عن رغبة رسمية واضحة في تثبيت الذاكرة الإبداعية وحمايتها من النسيان، خصوصًا مع استمرار الحضور الشعبي لأعمال الرحباني بعد رحيله.
ويأتي إصدار الطابع البريدي كخطوة رمزية ذات دلالة عميقة، إذ يجمع بين الفن والتاريخ، ويحوّل صورة الفنان إلى وثيقة وطنية متداولة. بذلك، يرسّخ لبنان صورة زياد الرحباني كأحد أعمدة الموسيقى والمسرح في العالم العربي.
١- طابع بريدي يحمل ملامح المسيرة
يعرض الطابع البريدي أربع صور مختارة بعناية، وتُجسّد كل لقطة مرحلة أساسية من مسيرة زياد الرحباني. تُظهر إحدى الصور حضوره داخل الاستوديو أمام لوحة المفاتيح، وتبرز شغفه بالتفاصيل الصوتية والدقة التقنية. تعكس صورة أخرى مرحلة النضج الفني، حيث يجلس أمام البيانو بنظرة تركيز تحمل مزيجًا من الوعي الفني والموقف الفكري.
وتستحضر لقطة ثالثة سنوات الشباب، وتكشف ملامح البحث المبكر عن هوية مسرحية وموسيقيّة خاصّة. أما الصورة الرابعة، فتعود بالأبيض والأسود إلى أجواء التسجيل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتختصر علاقة زياد الحميمة بالموسيقى والأدوات. هكذا، يقدّم الطابع سردًا بصريًا لمسيرة فنان شامل.
٢- توقيت رمزي ومعنى ثقافي واضح
يُطرح الطابع البريدي بعد أشهر على رحيل زياد الرحباني في يوليو 2025، ما يمنحه قيمة وجدانية إضافية. يؤكّد هذا التوقيت حرص الدولة على تحويل الحداد الثقافي إلى فعل توثيقي واعٍ. كما يلفت الحدث الأنظار إلى دور الطوابع البريدية كوسيلة لحفظ التاريخ الفني ونقله بين الأجيال.
ويعكس هذا الإصدار تقديرًا رسميًا لمشروع فني مستقل، شقّ طريقه خارج القوالب السائدة. بذلك، يكرّس لبنان فكرة أن الإبداع النقدي والحر يستحق الاعتراف والتخليد.

٣- زياد الرحباني ومسار خارج المألوف
وُلد زياد الرحباني عام 1956 في عائلة فنية عريقة، لكنه اختار مبكرًا رسم خطه الخاص. قدّم نفسه كموسيقي وكاتب مسرحي يحمل رؤية اجتماعية جريئة، ويطرح أسئلة صادمة بلغة قريبة من الناس. عبر أعماله المسرحية، عبّر عن هموم يومية وصراعات سياسية بأسلوب ساخر وحاد.
وترك بصمته في أعمال مسرحية شكّلت محطات مفصلية في تاريخ المسرح اللبناني، مثل: «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم أميركي طويل» و«بخصوص الكرامة والشعب العنيد». رسّخ هذا المسار مكانته كصوت ثقافي مختلف لا يشبه إلا نفسه.
٤- موسيقى تعيش في الذاكرة
ابتكر زياد الرحباني أسلوبًا موسيقيًا خاصًا، ودمج الجاز بالموسيقى الشرقية بجرأة محسوبة. أنتج هذا المزج ألحانًا تجاوزت زمنها وتحولت إلى جزء من الذاكرة الجماعية. عزّز تعاونه مع فيروز هذا الحضور، وقدّم أغانٍ بقيت حاضرة في وجدان الجمهور.
كما عبّر بصوته عن قناعاته الفنية والإنسانية، وترك أغنيات ذات أثر عميق. من هنا، لا يختصر الطابع البريدي صورة فنان فقط، بل يختصر تجربة كاملة غيّرت شكل الموسيقى والمسرح في لبنان.



