يواجه الرجال العديد من التحديات والضغوطات اليومية التي تؤثر بشكل كبير على صحَّتهم النفسية والجسدية. التوتُّر، والقلق، والاكتئاب من المشاكل الشائعة التي يمكن أن تتفاقم إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح. النظام الغذائي هو أحد العوامل المهمة التي تؤثر على الحالة المزاجية، حيث إن الأطعمة التي نتناولها تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم الهرمونات، ودعم صحة الدّماغ، وتقليل الالتهابات، ورفع معدلات السيروتونين والإندورفين، وهي مواد كيميائية في الدماغ تساعد على الشعور بالسعادة والهدوء.
لذلك، فإن اختيار الأطعمة الصحيحة يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتعزيز المزاج والتخفيف من حدَّة التوتر. في هذا المقال، نستعرض بشكل موسع ومفصل الأطعمة التي يمكن أن تحسن المزاج وتكافح التوتر، مع شرح فوائدها، بالإضافة إلى تقديم نصائح عملية لتحقيق أقصى استفادة منها.
1- الأطعمة الغنية بأحماض الأوميغا-3
تعتبر الأحماض الدهنية أوميغا-3 من أهم العناصر الغذائية لصحة الدماغ والجهاز العصبي، فهي تشكل جزءًا أساسيًا من بنية الخلايا العصبية، وتلعب دورًا حيويًا في تنظيم عمل الناقلات العصبيّة التي تتحكَّم في المزاج. أظهرت الدراسات العلمية أن نقص أوميغا-3 في الجسم يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، والقلق، واضطرابات المزاج الأخرى. كما أن تناول الأطعمة الغنية بأوميغا-3 يساهم في تقليل الالتهابات المزمنة، والتي تعتبر سببًا رئيسيًا في العديد من الأمراض النفسية والجسدية
المصادر الغذائية:
- الأسماك الدهنية: تحتوي على أعلى تركيزات أوميغا-3، مثل السلمون، الماكريل، السردين، والأنشوجة. يُنصح بتناولها مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا لضمان الحصول على الكمية الكافية.
- البذور: بذور الكتان، بذور الشيا، وبذور اليقطين. يمكن إضافتها إلى الزبادي، العصائر، أو السلطات.
- المكسرات: الجوز (Walnuts) هو من أغنى المصادر، ويمكن تناوله كوجبة خفيفة يوميًا.
- زيوت السمك والمكملات: إذا لم تكن من محبي السمك، يمكن الاعتماد على مكملات زيت السمك بعد استشارة الطبيب.
نصائح:
- حاول تضمين نوع واحد على الأقل من مصادر أوميغا-3 في وجباتك اليومية.
- استبدل الدهون المشبعة بالدهون الصحية الموجودة في الأسماك والمكسرات.
- تذكر أن توازن استهلاك الأوميغا-3 مع أوميغا-6 مهم أيضًا للحفاظ على صحة الدماغ والجسم بشكل عام.

2- الأطعمة الغنية بفيتامينات B
تلعب فيتامينات B، وخاصة B6 وB12، دورًا رئيسيًا في دعم الجهاز العصبي، وتحسين الحالة المزاجية، وتقليل الشعور بالتوتر والإجهاد. فهي تساعد في إنتاج الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين، والتي تؤثر على المزاج والمشاعر. يسبب نقص هذه الفيتامينات اضطرابات في المزاج، والاكتئاب، وزيادة الشعور بالإرهاق. بالإضافة إلى ذلك، تساهم فيتامينات B في تحسين عملية التّمثيل الغذائي، مما يمنح الجسم طاقة إضافية ويقلل من الشعور بالإرهاق النفسي والجسدي.
المصادر الغذائية:
- اللحوم الخالية من الدهون: الدجاج، اللحم البقري، والديك الرومي، تعتبر مصادر غنية بفيتامين B12.
- البيض: مصدر ممتاز لفيتامين B7 (البيوتين) وB12.
- الحبوب الكاملة: الشوفان، الأرز البني، والقمح الكامل، تحتوي على كميات جيدة من فيتامين B.
- الموز: غني بفيتامين B6، ويساعد على تنظيم المزاج.
- الخضروات الورقية الداكنة: السبانخ، الكرنب، واللفت، تحتوي على مجموعة واسعة من فيتامينات B، وخاصة B9 (حمض الفوليك).
نصائح:
- تناول وجبات متوازنة تتضمن مصادر غنية بفيتامين B يوميًا.
- تجنب الأنظمة الغذائية المقيدة التي تقلل من استهلاك الحبوب الكاملة والخضروات الورقية.
- يمكن استشارة الطبيب حول تناول مكملات فيتامين B إذا كنت تعاني من نقص مزمن.

3- الشوكولا الداكنة
تعتبر الشوكولا الداكنة من أكثر الأطعمة التي تعزز المزاج، لأنها تحتوي على مركبات ترفع من مستوى السيروتونين والإندورفين في الدماغ، وهما من المواد الكيميائية التي تعزز الشعور بالسعادة. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي على مضادات أكسدة قوية تسمى الفلافونويد، والتي تساعد في تحسين تدفق الدم إلى الدماغ، وتوفير حماية ضد الالتهابات التي قد تؤثر على الحالة النفسية. يمكن أن تؤدي قطعة صغيرة من الشوكولاتة الداكنة إلى تحسين الحالة المزاجية بشكل سريع، مع عدم الإفراط لتجنب السعرات الحرارية الزائدة.
نصائح:
- اختيار الشوكولاتة التي تحتوي على 70% كاكاو أو أكثر لضمان أقصى استفادة صحية.
- تناول قطعة صغيرة يوميًا كجزء من وجبة خفيفة صحية.
- تجنب الشوكولاتة المعالجة بشكل مفرط أو التي تحتوي على إضافات صناعية.

4- الموز
الموز من الفواكه التي تتميز بكونها غنية بالبوتاسيوم والمغنيسيوم، وهما معدنيا يُساعدان على تنظيم ضغط الدموتحسين الحالة المزاجية. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الموز على التربتوفان، وهو حمض أميني يتحول في الجسم إلى السيروتونين، هرمون السعادة. تناول الموز يساعد على استرخاء الأعصاب، ويزيد من الشعور بالهدوء، خاصةً عند تناوله في الصباح أو قبل النوم.
نصائح:
- تناول موزة واحدة يوميًا كوجبة خفيفة.
- يمكن إضافته إلى الشوفان، الزبادي، أو العصائر.
- استبدال الحلويات السكرية بالموز لزيادة القيمة الغذائية وتقليل التوتر.

5- الأطعمة المخمرة
الأمعاء والصحة النفسية مرتبطتان بشكل كبير عبر ما يُعرف بمحور الأمعاء والدماغ (Gut-Brain Axis). البكتيريا الصحية الموجودة في الأطعمة المخمرة تساعد في تعزيز التوازن الميكروبيوم المعوي، مما يقلل الالتهابات ويعزز إنتاج الناقلات العصبية التي تؤثر على المزاج. بالإضافة إلى ذلك، تساعد البروبيوتيك في تحسين النوم، ورفع الحالة المزاجية.
المصادر:
- الزبادي الطبيعي: يحتوي على بكتيريا حية تعزز صحة الأمعاء.
- الكيمتشي: مخلل الكرنب الكوري، غني بالبروبيوتيك.
- الكفير: مشروب مخمر من الحليب، غني بالبكتيريا المفيدة.
- مخللات الخضروات: مثل الخيار، الملفوف، والجزر.
نصائح:
- إدخال كوب من الزبادي أو الكفير يوميًا في النظام الغذائي.
- تجربة وصفات المخللات المنزلية لزيادة التنوع البكتيري.
- تجنب المنتجات المعالجة والمصنعة التي قد تحتوي على كميات قليلة من البكتيريا المفيدة.

6- المكسَّرات والبذور
تعتبر المكسَّرات والبذور من الأطعمة الغنية بالمغنيسيوم، وهو معدن ضروري لعملية استرخاء الأعصاب. كما أنها غنية بالدهون الصحية، والألياف، والفيتامينات، التي تساهم في تحسين المزاج بشكل عام. المكسرات مثل اللوز، والجوز، والبندق، والبذور مثل بذور اليقطين، وعباد الشمس، تعتبر من المصادر الممتازة التي يمكن تناولها كوجبة خفيفة أو إضافتها إلى السلطات والأطباق.
نصائح:
- تناول حفنة صغيرة من المكسَّرات يوميًا، مع مراعاة الحصة وعدم الإفراط.
- استخدام البذور في إعداد الوجبات أو كجزء من وجبات الإفطار.
- اختيار الأنواع غير المملحة والمحمصة بشكل خفيف للحفاظ على فوائدها الصحية.

إن اختيار الأطعمة الصحيحة هو أحد أهم الوسائل التي يمكن للرجال الاعتماد عليها لتحسين مزاجهم والتقليل من مستويات التوتر. من خلال دمج هذه الأطعمة مع نمط حياة نشط ومتوازن، يمكن تحقيق تحسن ملحوظ في الشعور العام، والقدرة على التعامل مع الضغوط اليومية بشكل أفضل. التغيير في العادات الغذائية هو استثمار طويل الأمد في الصحة النفسية والجسدية، ويستحق أن يكون من أولويات كل رجل يسعى إلى حياة أكثر هدوءاً وسعادة.