ما يحتاجه الأولاد حقًا هو الدعم العاطفي من الآباء

في زمنٍ يُربّى فيه الأولاد على الصلابة والانضباط، يغيب عن كثير من الآباء أن ما يحتاجه أبناؤهم حقًا ليس القوة، بل الحنان. أن يُقال للولد “كن قويًا” لا يُغنيه عن حضن يُشعره بالأمان، أو كلمة تُطمئنه حين ينهار داخليًا. الصحة العاطفية للأولاد تبدأ من البيت، وتحديدًا من الأب، الذي يُمكنه أن يكون مصدرًا للثقة أو سببًا للانغلاق.

الذكورة التقليدية: قناع يُخفي الألم

كما يوضح أندرو راينر، الباحث في دراسات الذكورة، فإن كثيرًا من الآباء يربّون أبناءهم على نموذج ذكوري تقليدي يُشجّع على الكتمان، ويُحرّض على الاستقلال المبكر. لكن هذا النموذج، الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه يُعدّهم للحياة، يُعرّضهم في الواقع لمخاطر نفسية جسيمة. فالأولاد الذين يُطلب منهم أن “يتحمّلوا وحدهم”، غالبًا ما يغرقون في مشاعر العجز، ويُواجهون تحديات نفسية قد تصل إلى الاكتئاب أو حتى الانتحار.

من المهد تبدأ القسوة

تشير الدراسات إلى أن الأولاد الرضّع أكثر حساسية من البنات، ويُظهرون مشاعر سلبية بشكل أكبر، لكن المفارقة أن الآباء والأمهات يُقدّمون دعمًا عاطفيًا أقل لهم. يُغنّون للبنات، يُهدّئونهن عند البكاء، بينما يُطلب من الأولاد أن “يتحمّلوا”. هذه الفجوة العاطفية تبدأ من المهد، وتُرسّخ فيهم شعورًا بأن التعبير عن المشاعر ضعف، وأن طلب الدعم عيب.

الأب كمرآة للثقة

حين يكون الأب حاضرًا عاطفيًا، يُصبح مصدرًا للقوة الحقيقية. ليس القوة التي تُقمع المشاعر، بل تلك التي تُعزّز الثقة بالنفس، وتُشجّع على التعبير، وتُعلّم كيف نواجه الحياة دون أن نخسر أنفسنا. الأولاد الذين يتلقّون دعمًا عاطفيًا من آبائهم يُظهرون أداءً أفضل في الدراسة، علاقات أكثر استقرارًا، ومعدلات أقل من السلوك العنيف أو الاكتئاب.

الاستقلال لا يعني الانعزال

من المفارقات التي يُسلّط عليها راينر الضوء أن الاستقلال لا يُمكن تعلّمه في عزلة. الأولاد يحتاجون إلى بالغين متسامحين، يُشجّعونهم على طلب المساعدة، ويُعلّمونهم أن الرجولة لا تُقاس بكمية الألم الذي يُخفيه الإنسان، بل بقدرته على التواصل، والتعاطف، والاعتراف بالحاجة إلى الآخر.

كيف نُغيّر المعادلة؟

  • امدح ابنك حين يطلب المساعدة، لا حين يُخفي ألمه.
  • شاركه مشاعرك، ليشعر أن التعبير ليس ضعفًا.
  • استمع إليه دون إصدار أحكام، حتى حين لا تتفق معه.
  • علّمه أن بناء شبكة دعم عاطفي هو جزء من النضج، لا عائق له.

كن حاضرًا، لا فقط جسديًا، بل عاطفيًا، في لحظاته الصعبة.

في النهاية، ما يحتاجه الأولاد حقًا ليس أن يُقال لهم “كن رجلًا”، بل أن يُشعروا أن الرجولة لا تُناقض الحنان. أن يكون الأب مرآة للثقة، لا جدارًا للصمت. فالدعم العاطفي ليس رفاهية، بل ضرورة، وهو ما يُشكّل الفرق بين ولد ينمو بثقة، وآخر يضيع في صمتٍ لا يُسمع.

شارك على:
١٢نشاطًا يمكنك القيام به في بودابست بالإضافة إلى الحمامات الحرارية

بودابست وجهة تنبض بالتجارب التي تُدهش الزائر.

متابعة القراءة
كيف تتقن الستايل اليومي على طريقة المشاهير؟

لم يعُد الـ  Street Style مجرّد صيحة عابرة، بل أصبح لغة…

متابعة القراءة