حين ترتفع درجات الحرارة وتشتدّ أشعة الشمس، تبدأ أجسامنا بإرسال إشارات خفية وواضحة في آن: عطش، إرهاق، صداع، وانخفاض في الطاقة. فالصيف لا يرحم، والجفاف يمكن أن يتسلل إلينا حتى دون أن نشعر. وفيما يبقى الماء الخيار الأفضل لترطيب الجسم، لا يعني ذلك أنه الوسيلة الوحيدة. فهناك طُرق ذكية ومصادر غذائية متنوعة تساعدك على تلبية حاجتك من السوائل دون أن تضطر إلى شرب الماء طوال اليوم.
لماذا نشعر بالعطش أكثر في الصيف؟
خلال الأيام الحارّة، يفقد الجسم كميات أكبر من السوائل عبر التعرّق، ما يزيد من خطر الجفاف. حتى دون مجهود بدني، يمكن لدرجة الحرارة وحدها أن تقلل من رطوبة الجسم.
هذا النقص في السوائل لا يؤثر فقط على الإحساس بالعطش، بل يتعداه إلى الإرهاق، آلام الرأس، صعوبة التركيز، وحتى الإمساك. ولهذا السبب، الحفاظ على توازن السوائل أمر أساسي لصحة الجسم وسلامة الوظائف الحيوية.

كم يحتاج جسمك من السوائل يوميًا؟ وماذا يدخل ضمنها؟
توصي معظم الدراسات الصحية بتناول ما بين ليترين إلى ليترين ونصف من السوائل يوميًا، وتزيد الكمية حسب الوزن، النشاط البدني، ودرجة الحرارة. لكن هذه الكمية يجب ألا تكون ماءً فقط. فكوب من الحساء، أو مشروب أعشاب، أو حتى ثمرة فاكهة غنية بالماء، جميعها تُسهم في تلبية حاجة الجسم من السوائل.
لكن يُستثنى من هذه القاعدة بعض الحالات الصحية. من يُعانون من أمراض الكلى أو القلب، يجب أن يستشيروا طبيبهم لتحديد الكمية الآمنة من السوائل.
مشروبات صحية تُحتسب ضمن حاجتك اليومية
لا يُعدّ شرب الماء وحده الوسيلة الوحيدة للترطيب. هناك العديد من المشروبات التي يمكن احتسابها ضمن مجموع السوائل اليومية، بشرط الانتباه إلى محتواها:
- شاي الأعشاب (كالنعناع، الزهورات، اليانسون): خفيف على الجسم، ويمنح ترطيبًا دون مدرّات.
- الحساء بأنواعه الخفيفة: يمدّ الجسم بالسوائل والمعادن.
- العصائر الطبيعية: خيار جيّد إذا كانت غير محلاة، لكنها تحتوي على سكريات طبيعية تُفضل باعتدال.
- مياه منكهة طبيعياً (بشرائح خيار، ليمون، توت): بديل جذّاب للماء العادي، خاصة لمن لا يحبون طعمه البسيط.

لكن… انتبه لهذه المشروبات
بعض المشروبات تضر أكثر مما تنفع، خاصة في الحر:
- المشروبات الغازية: غنية بالسكر وتسبب الجفاف.
- القهوة والمشروبات التي تحتوي على الكافيين: مدرّة للبول، وقد تساهم في فقدان السوائل.
- مشروبات الطاقة: تحتوي على الكافيين والصوديوم بنسب عالية، ولا تُنصح بها كوسيلة للترطيب.
مأكولات ترطّب أكثر مما تتوقع
حين يُذكر الترطيب، يتبادر إلى الذهن الماء والمشروبات الباردة. لكن في الواقع، إحدى الحيل الذكية للحفاظ على رطوبة الجسم هي تناول أطعمة تحتوي على نسبة عالية من الماء. فبعض أنواع الطعام يمكن أن تكون أكثر فاعلية من السوائل وحدها، خصوصًا الفواكه والخضراوات التي تحتوي على نسب عالية من الماء. هذه الأطعمة لا تروي العطش فحسب، بل تزوّد الجسم بالألياف، والمعادن، والفيتامينات التي تساعد في تحسين امتصاص السوائل، ودعم صحة البشرة والجهاز الهضمي.
بعض الفواكه والخضر تحتوي على أكثر من 90% ماء، وتمنحك إحساسًا بالشبع، وبرودة لطيفة، وترطيبًا يدوم.
من أبرز هذه الأطعمة:
- الخيار والخس: يحتويان على ما يقارب 96% ماء، ما يجعلهما من أكثر الخضر ترطيبًا للجسم. يمكن تناولهما في السلطات أو كوجبة خفيفة بين الوجبات.
- البندورة والبطيخ الأصفر: بنسبة تقارب 95% ماء، وهما غنيّان بالليكوبين والفيتامينات، ويمثّلان خيارًا رائعًا في الوجبات الصيفية.
- الفراولة والبطيخ الأحمر: يحتوي كل منهما على 92% ماء، بالإضافة إلى نكهة حلوة طبيعية، مما يجعلهما بديلاً مثاليًا للحلويات المبرّدة.
- السبانخ والفطر: تراوح نسبة الماء فيهما بين 92 و93%، ومع ذلك فإنهما يُهملان أحيانًا كعنصر ترطيب، رغم احتوائهما على الحديد والبوتاسيوم.
- البرتقال والأناناس: بنسبة تقارب 87% ماء، ويوفران جرعة منعشة من فيتامين C، مع قدرة على تنشيط الجسم بلطف.
- المشمش والدراق: يحتويان على حوالي 86 إلى 88% ماء، ويُعدان وجبة خفيفة مثالية تعيد التوازن إلى الجسم في أوقات الحر.
إدخال هذه الأطعمة ضمن النظام الغذائي الصيفي لا يُغني عن شرب الماء، لكنه يُخفف من الحاجة المستمرة إليه، ويمنح الجسم شعورًا بالانتعاش من الداخل إلى الخارج.

خلاصة القول: الترطيب فنّ يومي في الصيف
الترطيب ليس مجرد عادة، بل ضرورة، خصوصًا في الصيف. ورغم الأهمية القصوى للماء، إلا أنه ليس وحده في الساحة. اعتمد على تنويع مصادر السوائل، وادمجها ضمن وجباتك اليومية، من دون إغفال الإشارات التي يرسلها جسدك عند شعوره بالجفاف. اجعل الترطيب جزءًا من روتينك ليس فقط عند العطش، وستلاحظ فرقًا في نشاطك، وحتى في مزاجك.