القهوة وصحة الرجل: بين الفوائد والمبالغات

في فنجان القهوة اليومي، يختبئ الحد الفاصل بين المتعة والعادة… وبين ما هو نافع وما قد يكون مبالغًا في تقديره. بالنسبة للرجل، لم تعد القهوة مجرّد مشروب صباحي، بل أصبحت جزءًا من روتين الصحة والنشاط والذهن الحاد.

ولكن، هل فعلاً تقدم القهوة فوائداً مميّزة لصحة الرجل؟ أم أن بعض هذه الأفكار هي مجرد أوهام تسويقية؟ هذا المقال يفكك الحقائق، ويستعرض بلغة واضحة ما تقوله الدراسات العلمية الحديثة.

تركيز وذاكرة وذهن يقظ: الكافيين ليس عدوًا دائمًا

الكافيين، بتركيبته المنبهة، يؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المركزي، ويمنح الرجل دفعة ذهنية ملحوظة عند استهلاكه بشكل معتدل. تُظهر الدراسات أن تناول ما بين فنجانين إلى أربعة فناجين يوميًا يمكن أن يُحسّن من قدرة الرجل على التركيز والانتباه، ويُساهم في تعزيز سرعة ردود الفعل، خاصة في المهام الذهنية التي تتطلب بديهة وسرعة معالجة.

ليس هذا فحسب، بل ثمة أدلة علمية متزايدة تشير إلى أن القهوة تلعب دورًا وقائيًا في تقليل احتمالية الإصابة بأمراض مثل الزهايمر وباركنسون في المراحل المتقدمة من العمر. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن استجابة الجسم لهذه المنبّهات ليست واحدة لدى الجميع، إذ تلعب العوامل الجينية ومعدّل الأيض والكتلة العضلية دورًا في تحديد مدى فعالية أو تأثير القهوة على كل رجل بشكل خاص.

أداء رياضي أقوى؟ نعم، ولكن بشروط

ليس سرًا أن كثيرًا من الرياضيين يعتمدون على فنجان القهوة كجزء من طقوسهم قبل التمرين، خصوصًا لما يمنحه الكافيين من شعور بالنشاط والحيوية. علميًا، يتسبب الكافيين في رفع مستويات الأدرينالين، ما يعزز قدرة الجسم على التحمل، ويؤخر الإحساس بالإجهاد، مما يجعل التمرين أكثر كفاءة.

 يبدو هذا التأثير واضحًا في الأنشطة الهوائية مثل الجري، كذلك في التمارين اللاهوائية كرفع الأثقال. لكن إذا لم يُحسن الرجل توقيت تناوله للقهوة أو بالغ في الكمية، فقد يواجه آثارًا عكسية، أبرزها زيادة معدل نبض القلب إلى مستويات غير طبيعية أثناء التمرين، وهو أمر قد يشكّل خطرًا في بعض الحالات. إضافة إلى ذلك، فإن شرب القهوة في توقيت متأخر من اليوم قد يؤثر على نوعية النوم، مما يضعف تعافي العضلات في الليلة التالية، ويؤثر سلبًا على الأداء في اليوم الذي يليه.

القهوة والخصوبة: الحقيقة أقل رومانسية مما نعتقد

يتردد كثيرًا في النقاشات المتعلقة بصحة الرجل، سؤالُ عن تأثير القهوة على الخصوبة. وفي حين تنتشر بعض الشائعات حول دورها السلبي، فإن ما تقوله الدراسات الحديثة هو أن الاستهلاك المعتدل للقهوة لا يحمل تأثيرًا سلبيًا واضحًا على عدد الحيوانات المنوية أو نوعيتها، بل تشير بعض الأبحاث إلى أن القهوة قد تُساهم في الحد من التدهور الطبيعي في الخصوبة المرتبط بالعمر أو بأسلوب الحياة غير الصحي.

 لكن هذا التأثير الإيجابي المحتمل يتوقف عند الاعتدال، فحين تتخطى الكمية الحد المعقول (أي أكثر من خمسة أكواب في اليوم) خاصةً إذا كانت القهوة محمّلة بالسكر أو المواد الصناعية، يبدأ التأثير السلبي بالظهور. في هذه الحالة، قد تتعرض الخلايا لضغط أكسدة عالٍ، وهو ما قد يُضعف من كفاءة الجهاز التناسلي، كما أن التوازن الهرموني قد يختل بشكل طفيف لدى بعض الرجال.

هرمونات الذكورة: القهوة ليست محفزًا مباشراً

من الشائع ربط القهوة برفع التستوستيرون، لكن الواقع العلمي لا يقدّم أدلة حاسمة على ذلك. فحتى الآن، لم تتمكن الأبحاث من إثبات وجود علاقة سببية ثابتة بين شرب القهوة وزيادة مباشرة في هذا الهرمون. بعض الدراسات الصغيرة لفتت إلى أن القهوة السوداء، الخالية من الإضافات الصناعية أو السكر، قد تُحدث ارتفاعًا طفيفًا في مستويات التستوستيرون، لكنه تأثير غير كافٍ ليتم الاعتماد عليه كمحفز طبيعي.

في المقابل، فإن أنواع القهوة المحلاة والممزوجة بكريمة صناعية قد تكون ضارة في هذا السياق، كونها تساهم في زيادة الدهون الثلاثية في الدم، وتُربك عملية تنظيم الهرمونات. القهوة ليست محفّزًا هرمونيًا بحد ذاتها، لكنها قد تكون جزءًا من نظام حياة صحي ينعكس إيجابًا على الصحة الهرمونية بشكل عام.

القهوة والصحة النفسية للرجال: التوازن مفتاح الفائدة

للقهوة أيضًا تأثير على الحالة النفسية، وهي واحدة من النقاط التي قد تُهمل في النقاشات الصحية. أظهرت دراسات أن تناول القهوة باعتدال يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب، لا سيما عند الرجال الذين يمارسون الرياضة بانتظام ويتمتعون بنمط حياة نشيط. الكافيين في هذه الحالة يعمل كمحفز طبيعي للمزاج، ويمنح شعورًا بالرضا والتركيز.

 لكن، وكما هو الحال مع كل المنبهات، فإن الجرعة تصنع الفارق. الإفراط في الكافيين، خصوصًا لدى الأشخاص الأكثر حساسية له، قد يقود إلى نتائج عكسية تشمل القلق المفرط، وتسرّع التفكير بطريقة غير مريحة، وحتّى اضطرابات النوم. وكلما تأثرت جودة النوم، انعكس ذلك على المزاج العام، ما قد يُفاقم مشكلات التوتر بدلاً من تخفيفها. من هنا، يصبح من الضروري مراقبة تأثير القهوة على النفس بوعي، وعدم الاكتفاء بارتباطها بالطاقة الذهنية فقط.

اشرب قهوتك بذكاء

  • اختر القهوة العضوية أو المحمصة بعناية لتجنب المواد الكيميائية.
  • تجنّب إضافة السكر المكرر أو الكريمة الصناعية.
  • لا تشرب القهوة قبل النوم بـ 6 ساعات على الأقل.
  • اجعل استهلاكك للقهوة جزءًا من نمط حياة متوازن، لا تعويضًا عنه.

القهوة ليست علاجًا سحريًا، لكنها أيضًا ليست عدوًا متخفيًا. عندما تُستهلك القهوة بذكاء، تُصبح حليفًا يوميًا في حياة الرجل الصحية. لكن كل ما يتجاوز الاعتدال يتحوّل من فائدة إلى عبء. الأهم أن تُصغي إلى جسدك، وتمنح فنجانك اليومي قدْرًا من الوعي، ليس فقط الاعتياد.

شارك على:
التجول على الدراجة في طوكيو: مغامرة حضرية برائحة الساكورا

الدراجة مفتاحك لكشف أسرار طوكيو

متابعة القراءة
في مكافحة العطش صيفًا الماء ليس الحل الوحيد

تظن أن الماء يكفي؟ فكر مرة أخرى!

متابعة القراءة