الأمر ثمة عنصر في عالم الساعات الفاخرة غالبًا ما يمرّ خفيًا لكنه يقول كل شيء: النقوش والزخارف. فالأمر لا يقتصر على العقارب والميناء والسوار، لأن النقوش والزخارف هي ليست فقط تفاصيل تزيينية، بل رموز تعبّر عن ذوق الرجل، وخلفيته الثقافية، وحتى نظرته للزمن.
بعض الرجال يختارون ميناءً محاطًا بزخارف هندسية تذكّرهم بفن العمارة، وآخرون يفضّلون نقوشًا يدوية تعبّر عن تراث معيّن أو إشارة شخصية مخفية. وبين كل خط مرسوم وكل ملمس منقوش، توجد حكاية ترتديها على معصمك.
الزخرفة فن وتقنية حرفية دقيقة
وراء كل تفصيل محفور في ساعة راقية، يكمن عالم حافل بالمعرفة الحرفية والدقة المتوارثة. النقوش ليست مجرّد زينة سطحية، بل تقنية معقدة تتطلّب مهارات عالية وصبرًا استثنائيًا. من أقدم هذه التقنيات وأكثرها تميزًا ما يُعرف بـ الغيلوشيه (Guilloché)، وهي تقنية تقوم على نقش أنماط هندسية متكررة باستخدام آلة يدوية دقيقة تعمل بتنسيق بين اليد والعين، حتى يبدو الميناء كأنه قطعة من النسيج المتداخل أو الزجاج المقطّع بالليزر.
أما النقوش اليدوية ذات النوع (Hand Engraving)، فيُعدّ تحديًا حقيقيًا للفنّان: يُنحت كل خط بدقة فائقة على أجزاء ميكانيكية صغيرة جدًّا كالجسور أو أسطح العلبة، وهو يتطلّب أعوامًا من التدريب لإتقان الثبات والعمق والتوازن البصري. وغالبًا ما تحمل هذه النقوش رموزًا شخصية أو تصاميم استُلهِمت من فنون محلية أو مخطوطات تاريخية.
الأهم أن هذه التفاصيل، وإن خفيت عن النظرة السريعة، فإنها تمنح الساعة طابعًا إنسانيًا يصعب تكراره. ساعة كهذه لا تُنتَج بكبسة زر، بل تُولد على يد فنان، وتُلبَس بإحساس التميّز.


كل نقش يحمل دلالة أكثر من مجرّد زخرفة
الزخرفة على الساعة هي اختيار واعٍ، محمّل بالمعاني والدلالات. بعض الرجال يختارون أنماطًا مستوحاة من العمارة الإسلامية أو الأرابيسك، لما تحمله من عمق هندسي وروحي. آخرون يفضّلون ورودًا أو أوراق شجر محفورة بتقنية نحت ناعم تعبّر عن علاقة خاصة بالطبيعة أو بشخص عزيز.
في طرازات مستوحاة من الثقافة اليابانية، نرى تأثيرات الفن الحروفي، أو دروع الساموراي، أو الخطوط المستوحاة من قمم فوجي المغطاة بالثلج. أما في بعض الطرازات العربية الفاخرة، فتظهر الزخرفة بشكل خطوط متناغمة تذكّر بالخط الكوفي أو بنمط الكثبان الرملية المتحركة. هذه النقوش لا تُنقش فقط على الواجهة. بل أحيانًا تُنفّذ على ظهر الساعة أو الحافة الداخلية، لتكون رسالة سرية لا يراها سوى صاحبها. وفي كل الحالات، تبقى النقوش وسيلة سرد صامتة لهوية الرجل واهتماماته، محمولة على معصمه.
الزخرفة والهوية: عندما تتكلّم التفاصيل
في عالمٍ باتت فيه الساعات الذكية متشابهة ومصممة بكفاءة لا روح فيها، تبرز الساعات المزخرفة كبيان شخصي جريء. الرجل الذي يختار ساعة منقوشة يدويًا لا يبحث فقط عن الندرة، بل عن رابط شعوري. الزخرفة بالنسبة له تعبير داخلي يظهر إلى العلن: قد تكون رمزًا لعائلته، أو نقشًا يمثل فلسفته في الحياة، أو حتى تحية صامتة لبلده الأم.
تعكس هذه الزخارف ميولًا فنية أو تراثية أو حتى أدبية. البعض يطلب تخصيص نقوش تمثل قصيدة أو مقطعًا من كتاب مفضّل. والبعض الآخر يطلب نقش إحداثيات مكان عزيز أو تاريخ خاص.
الأجمل أن هذه الزخارف، مهما بدت بسيطة، فإنها تترك أثرًا عميقًا يدل أن هذه الساعة قد اختيرت بعناية. إنها ليست فقط أداة توقيت، بل قطعة من الذات، وفيها تصبح الزخرفة وسيلة راقية ليقول الرجل للعالم: أنا مختلف… وهذه قصتي.

أمثلة من العالم الفاخر: حين تتكلّم البراندات بلغة الزخرفة
رغم أننا لا نركّز على الأسماء، يمكن التوقّف عند بعض العلامات التي أوصلت فن النقش والزخرفة إلى مستويات أسطورية.
- علامة Audemars Piguet مثلاً، تشتهر بنقشاتها الهندسية على موانئ ساعاتها من مجموعة Royal Oak، وهي تُنفّذ غالبًا بتقنية غيلوشيه مبهرة.
- Vacheron Constantin من جهتها تحوّل خلفيات الساعات إلى لوحات مصغّرة، مستوحاة من الفنون اليابانية أو قصص الميثولوجيا.
- أما Chopard فتقدّم نماذج مرصّعة بزخارف دقيقة مستوحاة من الطراز الزخرفي الأوروبي الكلاسيكي.
كل هذه الأمثلة تؤكد أن الزخرفة ليست خيارًا جمالياً فقط، بل فلسفة تصميم عميقة تُعبّر عن هوية من يرتدي الساعة.


ساعة تُشبهك بتوقيعك أنت
في النهاية، ليست كل الساعات قادرة على رواية قصّة. فقط تلك التي تحتوي على لمسة فريدة: نقش، أو زهرة، أو زخرفة دقيقة تُحوّل من آلة لقياس الوقت إلى امتدادٍ لهويتك.