عندما تمتزج الرؤية الثقافية بالابتكار والإبداع، يصبح للجوائز معنى يتجاوز التكريم، ليصل إلى تثبيت هوية المدن وتعزيز مكانتها عالميًا.
هذا تمامًا ما حققته هيئة الثقافة والفنون في دبي حين حصدت جائزتين مرموقتين خلال مشاركتها في قمة جمعية متاحف آسيا والمحيط الهادئ «ASPAC» في سنغافورة، لتؤكد أن استراتيجياتها الثقافية تصنع فرقًا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
تكريم يروي حكاية متحف
حصد متحف الاتحاد جائزة «أفضل متحف» على مستوى آسيا والمحيط الهادئ، ضمن فئة «برنامج التعليم والتوعية»، بفضل برنامجه المبتكر «مدارس في المتحف».
لا يكتفي هذا البرنامج بتقديم جولات تعريفية تقليدية، بل يقدم تجارباً تعليمية تفاعلية تجمع بين المتعة والمعرفة، حيث يدرس الطلبة تاريخ الاتحاد بأسلوب قصصي حيّ، ما يعزز ارتباطهم بهويتهم الوطنية والثقافية. وقد نوهت لجنة التحكيم بأهمية هذا البرنامج في ترسيخ تاريخ دولة الإمارات في وعي الأجيال الجديدة عبر استراتيجيات تعليمية مواكبة للعصر.
المتاحف في خدمة الاستدامة الثقافية
أما الجائزة الثانية، فكانت من نصيب إدارة متاحف دبي ضمن فئة «الاستدامة البيئية والاجتماعية»، تقديرًا لمبادراتها الهادفة إلى تطبيق ممارسات تشغيلية صديقة للبيئة في جميع متاحفها.
هذه الرؤية المستدامة لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة، خاصة وأن المتاحف اليوم باتت تتحمل مسؤولية توعية المجتمع بأهمية الحفاظ على الموارد والبيئة، إلى جانب دورها في حفظ التراث المادي واللامادي.
وقد سلطت الجائزة الضوء على تجربة دبي الرائدة في الدمج بين الحفاظ على البيئة والهوية الثقافية ضمن منظومة واحدة متكاملة.

أبعاد ثقافية تتجاوز الجغرافيا
تكشف هذه الجوائز عن عمق الرؤية الثقافية لدبي التي تسعى لبناء نموذج عالمي للمتاحف والمراكز الثقافية، ليس فقط في العرض البصري والتاريخي، بل في كونها منصات تعليمية وبحثية وتربوية واجتماعية، ما يساهم في بناء إنسان مرتبط بجذوره ومؤهل للعصر الحديث.
ومن خلال المشاركة في قمة آسيوية بهذا الحجم، تؤكد دبي حضورها الثقافي العالمي، وتفتح المجال أمام تبادل الخبرات مع متاحف آسيا والمحيط الهادئ التي تزخر بتجارب عريقة يمكن الاستفادة منها في تطوير المشهد الثقافي الإماراتي.
الثقافة الإماراتية… من المحلية إلى العالمية
إن حصول دبي على هاتين الجائزتين يعكس أيضًا سعيها الدائم لتقديم ثقافتها المحلية بهوية عصرية عالمية، إذ يبرز متحف الاتحاد نموذجًا فريدًا يدمج الحداثة بالتراث الوطني، بينما تمثل ممارسات الاستدامة دليلًا على أن الثقافة الإماراتية لا تنفصل عن مسؤولياتها البيئية والاجتماعية في الحاضر والمستقبل.
ختامًا، لا تعد هذه الجوائز مجرد تتويج لإنجازات إدارية أو تطويرية، بل هي شهادات عالمية على أن الثقافة حين تُبنى على أسس تعليمية وتوعوية واستدامة شاملة تصبح قوة ناعمة حقيقية تعكس هوية الشعوب وتترك بصمتها في الذاكرة العالمية.