تُصرّ الشارقة على أن تمنح الكلمة وقتها في زمن تتسارع فيه الصور وتُختصر فيه المعاني، والكتاب مكانته، والقارئ شغفه. معرض الشارقة الدولي للكتاب ليس مجرد فعالية ثقافية، بل هو احتفال سنوي بالمعرفة، بالهوية، وبالإنسان. في دورته الرابعة والأربعين، يُثبت المعرض أن الكتاب لا يزال حيًا، نابضًا، وقادرًا على أن يجمع العالم حوله، من ناشرين ومؤلفين، إلى قرّاء ومفكرين، في مشهد يُعيد للثقافة وهجها، وللقراءة معناها العميق.
الشارقة… مدينة تُحب الكلمة
الشارقة ليست غريبة عن الكتاب، فهي المدينة التي كرّست نفسها لعقود كمركز ثقافي عربي وعالمي. من مبادراتها في دعم النشر والترجمة، إلى احتضانها للمكتبات العامة والمراكز الأدبية، تُجسّد الشارقة رؤية ثقافية متكاملة، ترى في الكتاب وسيلة للتنوير، وفي القارئ شريكًا في البناء الحضاري. المعرض السنوي يُعد تتويجًا لهذه الرؤية، حيث تُفتح الأبواب أمام الجميع، وتُعرض ملايين العناوين، وتُقام مئات الفعاليات التي تُخاطب كل الأعمار والاهتمامات.

معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025: أرقام تُلهم
في دورته الـ 44، يُشارك في المعرض أكثر من 2350 دار نشر من 118 دولة، ويستضيف أكثر من 250 كاتبًا ومفكرًا وفنانًا من 66 دولة، ضمن أكثر من 1200 فعالية ثقافية وفنية. هذه الأرقام لا تُعبّر فقط عن حجم الحدث، بل عن تنوّعه، وعن قدرته على أن يُصبح منصة عالمية للحوار الثقافي، والتبادل المعرفي، والتفاعل الإنساني.
بينك وبين الكتاب: شعار يُخاطب القلب
اختار المعرض هذا العام شعار “بينك وبين الكتاب”، في دعوة صريحة لإعادة بناء العلاقة الشخصية مع القراءة. الشعار لا يُخاطب العقل فقط، بل يُخاطب الوجدان، ويُذكّر بأن الكتاب ليس مجرد مصدر للمعلومة، بل رفيق، ونافذة، ومرآة. من خلال هذا الشعار، يُقدّم المعرض تجربة إنسانية تُعيد للقراءة طقوسها، وللكلمة احترامها، وللقارئ مكانته.
فعاليات تُعيد تعريف الثقافة
ما يُميّز معرض الشارقة هو تنوّع فعالياته، التي تتجاوز التوقيع والبيع، لتشمل ورش عمل، ندوات فكرية، عروض فنية، وجلسات حوارية. من أبرز الفعاليات هذا العام:
- مشاركة النجم العالمي ويل سميث في جلسة حوارية مفتوحة، يتحدث فيها عن تجربته في الفن والكتابة.
- صيدلية الشعر من المملكة المتحدة، وهي تجربة تفاعلية تُقدّم “وصفات شعرية” تُخاطب الحالة النفسية للزائر.
- أكاديمية التواصل الاجتماعي “بوب أب”، التي تجمع بين الأدب والتقنيات الرقمية، وتُقدّم محتوى تفاعليًا مع مؤثرين وخبراء.

اليونان ضيف شرف: حوار بين الحضارات
اختار المعرض هذا العام اليونان كضيف شرف، في احتفاء بالأدب اليوناني الكلاسيكي والمعاصر. من خلال جناح خاص، تُقدّم اليونان عروضًا أدبية، موسيقية، وفكرية، تُسلّط الضوء على إرثها الثقافي، وتُفتح نافذة جديدة للحوار بين الشرق والغرب، بين الأسطورة والفلسفة، وبين الماضي والحاضر.
المكتبات في قلب الحدث
تُشارك مكتبات الشارقة بجناح خاص يُقدّم فعاليات مثل “كتّاب تحت الضوء”، وورش لتشجيع عضوية المكتبة، وتعزيز ثقافة القراءة المستمرة. هذه المشاركة تُؤكد أن المعرض لا يُروّج للكتاب كسلعة، بل كعادة، وكجزء من الحياة اليومية.
الكتاب كجسر إنساني
من خلال مشاركة دول جديدة مثل أيسلندا، جامايكا، نيجيريا، موزمبيق، وفيتنام، يُثبت المعرض أن الكتاب قادر على أن يُوحّد، ويُقرّب، ويُعرّف. كل دولة تُقدّم قصتها، لغتها، ورؤيتها، ضمن فسيفساء ثقافية تُثري الزائر، وتُوسّع أفقه، وتُشعره بأنه جزء من عالم أكبر، متنوّع، لكنه متّصل بالكلمة.

في الختام: في الشارقة، لا يُعرض الكتاب فقط، بل يُحتفل به. تُصبح القراءة طقسًا جماعيًا، تُصبح الكلمة حدثًا، وتُصبح الصفحات مساحات للدهشة. المعرض لا يُعيد للكتاب مجده فحسب، بل يُعيد للقارئ شغفه، ويُذكّره بأن المعرفة ليست رفاهية، بل ضرورة، وأن الثقافة هوية.



