حين يشتعل أول مصباحٍ زيتيّ في ليلة الديوالي، لا يُضاء المكان فقط، بل تُضاء الأرواح بما يرمز إليه هذا المهرجان من انتصارٍ للخير على الشر، والنور على الظلام. في الهند وخارجها، يتحوّل الديوالي إلى لحظةٍ جماعية من التأمل والفرح، تتجاوز المظاهر الاحتفالية إلى عمقٍ ثقافيّ وروحيّ يجمع ملايين الناس تحت معنى واحد: الأمل.
الضوء كلغة عالمية
في ثقافة الديوالي، يُعدّ الضوء أكثر من مجرد رمزٍ للبهجة؛ إنه تعبير عن ولادة جديدة في حياة الإنسان. تُنار البيوت بصفوفٍ من المصابيح الصغيرة “الديا” التي تمثل الصفاء، بينما تتلألأ الشوارع كلوحةٍ من نيرانٍ صغيرة تهمس بأن الظلام مهما طال، لا بدّ أن يُهزم بالنور. هذه الطقوس التي تمتد جذورها إلى آلاف السنين أصبحت لغةً عالمية يفهمها كل من تذوّق جمال الفكرة: أن النور فعل إرادةٍ قبل أن يكون شعلة.

فلسفة الاحتفال: انتصار الخير في تفاصيل الحياة
وراء الألوان والألعاب النارية، تخفي الديوالي رسالة أعمق: لا يُحتفل بالنور لأن الليل طويل، بل لأن النور اختار أن يبقى. في الميثولوجيا الهندوسية، يرمز المهرجان إلى عودة الإله راما بعد انتصاره على الشر، لكن مع مرور الزمن أصبح الديوالي احتفالاً يتجاوز المعتقدات الدينية، ويعبّر عن انتصار الإنسان على مخاوفه وتحدياته، مهما كانت مظلمة. إنه تذكير سنويّ بأن النقاء والطيبة يمكن أن يغيّرا ملامح العالم من حولنا.

الطقوس والعادات: من الطهي إلى التجمّل
يبدأ التحضير للديوالي قبل أسابيع، بتنظيف البيوت وتزيينها، وشراء الملابس الجديدة، وصنع الحلويات التي تُوزَّع على الأهل والجيران. تُضاء المصابيح في المداخل والنوافذ، وتنتشر رائحة البهارات والقرنفل في الأجواء، بينما تتلألأ الأيدي بالحناء في احتفالٍ جماعيّ بالحياة. حتى الطعام في الديوالي يحمل رمزية النور، إذ تُقدَّم الأطباق الحلوة بكثرة، في إشارةٍ إلى أن الفرح يُشارك لا يُحتكَر.

التنوّع الثقافي واتساع الفكرة
ما يجعل الديوالي حدثًا استثنائيًا هو قدرته على التجدّد في كل ثقافةٍ يزورها. ففي نيبال، يُكرَّم “لاكشمي” إله الثروة، وفي ترينيداد وموريشيوس تتمازج الطقوس الهندية مع الموسيقى الكاريبية، بينما في أوروبا وأمريكا الشمالية أصبح المهرجان مناسبةً للتلاقي بين الجاليات، يحتفي خلالها الجميع بقيم النور، الحب، والعطاء. إنها صورة مصغّرة عن عالمٍ يزداد جمالاً حين يحتفي باختلافه.
الرمزية الحديثة: من الطقوس إلى الإلهام
في زمن الشاشات ونمط الحياة السريع، يبدو الديوالي بمثابة تذكيرٍ ضروريّ بأن الضوء الداخلي لا يُشعل بزرّ، بل بالنية. لقد تحوّل هذا المهرجان إلى مصدر إلهامٍ في مجالات التصميم والفن والعلاقات الاجتماعية، إذ يتّخذه كثيرون رمزًا للتوازن بين الجوانب المادية والروحية في حياتهم. وهكذا، يثبت النور مرة أخرى أنه ليس ظاهرة بصرية فقط، بل طاقة حياة.

في النهاية: احتفال الديوالي ليس مجرد موسمٍ من الألوان أو أصواتٍ تتصاعد في الليل، بل هو مرآةٌ لرحلة الإنسان نحو ذاته. في كل شمعةٍ تُضاء، تُكتب حكاية انتصارٍ صغير على الخوف، وعلى الشك، وعلى ما يُظلم فينا. لذلك، يبقى الديوالي أكثر من عيدٍ في التقويم، إنه دعوةٌ دافئة لأن نؤمن بأن النور، مهما تراجع، يعرف طريق العودة دائمًا.



