مهرجان القدس للسينما العربية يوسّع حدود الرواية البصرية العربية

في قلب القدس، وعلى مدى أيام حتى 29 حزيران 2025، يحتضن مهرجان القدس للسينما العربية (JAFF) نسخته الخامسة، محقّقًا حضورًا مميّزًا لماهية السينما العربية المعاصرة. وسط العراقة التاريخية للمدينة، يتحوّل المهرجان إلى مساحة ثقافية تُثري وعينا الجماعي، ويقدّم إنتاجًا سينمائيًا عربيًا وفلسطينيًا يتميّز بمروئيته وجودته العالية.

سينما تحمل قصص الأرض والإنسان

تشمل اختيارات الدورة الحالية مجموعة غنية ومتنوعة من الأفلام الوثائقية والطويلة والقصيرة، تعبّر عن هواجس وثيمات مشتركة في العالم العربي. تنتقل بنا من روحانه اللبناني “نحن في الداخل” لفرح قاسم، إلى فيلم مقتبس من سيرة ثورة السودان “مدنياااااو”، وصولًا إلى الفيلم المصريّ الشهير “رفعت عيني للسما”.

تضمّنه أيضًا إصداراً مميزاً للفيلم اللبناني القصير “النملة التي عبرت دفتر رسوماتي”، ضمن 12 فيلمًا قصيرًا تم اختيارها من بين 78 طلبًا. وهذه التنوعات لا تُغنينا في العناصر الفنية فقط، بل تقدّم تعدد الأصوات والإمكانات الإبداعية في المنطقة.

نقاشات وورش لصقل الرؤية السينمائية

المهرجان لا يكتفي بعرض الأفلام فحسب، بل يُقدّم تجربة تفاعلية متكاملة تشمل ورشة لتطوير سيناريو الفيلم الروائي القصير، بقيادة صانعة المحتوى سلام حصري، وحوار فكري حول “التصوير الفوتوغرافي الألماني والسينما المبكرة في القدس” بإدارة غدير النجار.

 هذا التوجه يؤكد أن JAFF يرتقي إلى منصة للإنتاج لا فقط للعرض، ويحرص على تعزيز الجيل القادم من صُنّاع السينما.

ترسيخ لهوية ثقافية وسط تحديات الواقع

في بيئة ثقافية تتّسم بكثير من التقلّبات والقيود، يبرز مهرجان القدس للسينما العربية كحاضنة فعالة لحفظ الذاكرة البصرية وتطويرها. يفتح فضاءه لعرض فيلم مرمّم من عام 1978، وهو “تسعون” للمخرج البغدادي، ضمن فقرة “كلاسيكيات السينما العربية”، في لفتة تحتفي بجذور الفن السابع في المنطقة.

ومن خلال برمجته، يُعيد المهرجان طرح أسئلة جوهرية عن أشكال العيش والسرد والتعبير في السياقات العربية، حيث تتجاور الأفلام الوثائقية عن التحوّلات السياسية والاجتماعية مع قصص الحب العابرة للجغرافيا. هكذا تتحول السينما إلى وسيلة حوار مع العالم، وليس مجرد مرآة لواقعها المحلي.

كيفية المشاركة والفئة المستهدفة

يدعو مهرجان القدس جمهور الفلسطينيين والمقدسيين لحضور العروض في القدس، ويتوسّع هذا العام لتشمل نسخة مصغّرة في الناصرة وبيت لحم.

 إن كنت مهتمًّا بالسينما الملتزمة والقريبة من نبض الشارع، أو كنت محترفًا يسعى لتطوير مشروعك ضمن ورش عمل وجلسات مناقشة، فهذه التجربة مصمّمة لك. السرد السينمائي هنا يبدأ من “أنت”، لأن الفيلم في رحمه أولًا قبل أن يكون منتجًا.

لماذا يشكّل مهرجان JAFF تجربة فريدة؟

في عالم يشهد تحديات مستمرة على مختلف الأصعدة وتتبدّد فيه معالم الزمن، يُقدّم مهرجان القدس للسينما العربية مساحةً تنبض بالأمل والإبداع، تتجاوز الانشغالات اليومية لتغوص في أعماق الثقافة والفن، ويفتح فضاءً فنيًّا مليئاً بالأمل ليتخطى حدود النقاشات الضيقة.

من خلاله، يُعاد تقديم الرواية البصرية التي تنبع من الأرض نفسها، ليُرسّخ حضورًا سينمائيًا عربيًا غنيًا ينبض بالتنوع والأصالة، كما يعزّز المهرجان العلاقة المتينة بين الفن والمجتمع، ويُسهم في إحياء الذاكرة الحضارية الجماعية وتوثيقها لأنها تتطلع دائمًا إلى التجدد والتواصل، مؤكدًا على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية في مواجهة تحديات العصر.

من يناسبه حضور مهرجان القدس للسينما العربية؟

هذا المهرجان ليس حكرًا على النقاد وصنّاع الأفلام فقط، بل هو مساحة مفتوحة لكل من يرى في السينما أكثر من ترف بصري. إن كنت شابًا مهتمًا بالشأن الثقافي العربي، أو باحثًا عن قصص تشبهك وتنبض بالحقيقة، فهذا المهرجان سيمنحك الفرصة لتلتقي بمبدعين يشاركونك الهمّ والأسئلة. كما يناسب المهرجان طلاب السينما والإعلام، ومحبي الوثائقيات، وكل من يرى في الفن أداة لفهم العالم وتغييره، لا مجرد وسيلة ترفيهية. وحتى إن لم تكن على تماس مباشر مع صناعة السينما، فإن المهرجان يُقدّم تجربة غنية بالتنوّع والتفاعل والدهشة، تجعل من الحضور فعل انتماء ومشاركة، وليس مجرد متابعة صامتة.

شارك على: